السبت، 17 ديسمبر 2016

عندما سلبت رسوم "الأنمي" اليابانية عقول المشاهدين المغاربة

عندما سلبت رسوم "الأنمي" اليابانية عقول المشاهدين المغاربة

عندما سلبت رسوم "الأنمي" اليابانية عقول المشاهدين المغاربة


- إسماعيل عزام
رغم مرور سنوات طويلة على مشاهدتها، ورغم تطوّر سوق الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال بشكل لافت منذ عقود، إلّا أن بعض المغاربة لا زالوا من حين لآخر يدلفون إلى موقع "اليوتيوب" بحثًا عمّا يعيدهم إلى أيام الطفولة، عبر الاستماع إلى أغاني أو مشاهدة مقاطع من مسلسلات كرتونية طبعت ذاكرة الملايين منهم، لدرجة أن هناك من يحفظ أسماء هذه الشخصيات المرسومة أكثر من تذكره حاليًا أسماء السياسيين ومدبري الشأن العام.
من الاستديوهات التي اضطلعت في الوطن العربي بوظيفة دبلجة الأنمي الياباني إلى اللغة العربية، هناك مركز الزهرة الذي بدأ عمله انطلاقًا من العاصمة السورية دمشق نهاية الثمانينيات من القرن الماضي بعد أن سمحت الدولة السورية للقطاع الخاص بالعمل في الإنتاج الذي كان محصورًا للدولة قبل ذلك. استطاع هذا المركز دبلجة مجموعة من الأعمال التي حققت نجاحًا منقطع النظير، لدرجة أن لوغو المركز التي كان يظهر في بداية كل سلسلة، صار بمنزلة "البصمة" التي تؤكد للمشاهدين قوة العمل.
في هذا الإطار، يتحدث يونس الحياني، باحث في علم الاجتماع:" يعدّ التفكير في الماضي بلغة الحنين خيارا وجوديا، يمنح بعض الجرعات من الفرح والبهجة أمام إكراهات الحاضر وضبابية المستقبل. تستمد ضرورة هذه "النوستالجيا" لإحداث مقارنة تفاضلية بينها وبين الحاضر المعقد والمتشابك بكثرة المسؤوليات التي يعاني منها شباب اليوم. لهذا غالبًا ما يعتبر الشباب أن مرحلة الطفولة كانت في الغالب مليئة بالسعادة والمغامرات والأحداث المسلية، تتميز بالبساطة وعدم تعقد أنماط العيش، أكثر حميمية بين العائلة والأصدقاء".
"لن أيأس أبدًا.. لن أستسلم، سأخلصّ الحلبة من كل الشرور"، عبارة ستجعل الكثيرين يبتسمون بمجرّد قراءتها، فهي المقطع الأول من أغنية الشارة لمسلسل "النمر المقنع" الذي يلعب دوره الرئيسي صحفي فاشل وكسول اسمه تامر، والذي كان من الأعمال الأولى التي دبلجها المركز. يعود هذا المسلسل إلى العمل الأصلي الحامل لاسم TIGER MASK، في جزئه الثاني المتكوّن من 33 حلقة والمنجز سنتي 1981 و 1982، إذ لم يدبلج المركز الجزء الأول من العمل الذي وصلت حلقاته إلى 105.
مشاهد من الجزء الأول من "النمر المقنع"
يعود أصل النمر المقنع إلى سلسلة من الرسوم المصوّرة نُشرت في اليابان عام 1968، كتبها إيكي كاجيوارا. ربما لم يكن يعرف هذا الكاتب الذي توفي عام 1987 أن سلسلته ستحقق أكبر النجاحات، فزيادة على تحوّلها إلى مسلسل أنمي، ألهمت مصارعاً في العالم الواقعي بحمل الإسم ذاته، وتحوّلت إلى أفلام وألعاب فيديو، وإلى ماركة تجارية تجوب العالم بأسره.
غير أن عملية دبلجة الجزء الثاني من النمر المقنع إلى اللغة العربية لم تخلُ من مشاكل، ومن ذلك حذف مجموعة من المشاهد المهمة، تحت حجة عدم تناسبها مع عمر الأطفال، خاصة وأن مسلسل الأنمي الأصلي، كان موجهًا لكل الأعمار، وكان يحتوي على الكثير من المشاهد العنيفة، كهذا المقطع:
بيدَ أنه ليست كل المشاهد المحذوفة من النمر المقنع تعود إلى عدم تناسبها مع عمر الأطفال، فهناك مشهد يحتوي على جرعة سياسية في الحلقة الأخيرة، يبرز كيف أن رئيس اتحاد مصارعي الفضاء يلبس كوفية عربية، وقد قامت ثورة أسقطت حكمه في بلاده خلال معركته الأخيرة مع النمر المقنع، إذ أظهرت الحلقة الأصلية تمثاله وهو يتهاوى بعد الثورة، بينما تتحدث الحلقة العربية المدبلجة عن أن هذا الرئيس اسمه خوسي سانشيز، وكان يعيش في غابة الأمازون، مقابل حذف المشهد الذي يظهر الكوفية العربية. وقد عاد إلى هذه الواقعة مؤخراً البودكاستر مروان العلوي المحرزي.
حذف هذا المشهد ليس سوى عنوانًا لمشاهد كثيرة حذفت من المسلسلات الكرتونية لإشاراتها السياسية في وسط عربي حفُل بالحكام الديكتاتوريين والرقابة الكبيرة لما تبثه أجهزة التلفزيون، وليس النمر المقنع هو وحده من تعرّض للرقابة، بل مجموعة كثيرة من مسلسلات الأنمي الأخرى، منها جراندايزر وماوكلي والمحقق كونان. إلّا أن الرقابة لم تتوقف فقط على العنف أو ما هو سياسي ، بل كانت كذلك لدواعٍ دينية أو لمشاهد تحتوي على إيحاءات جنسية، وبالتالي يتفهم التربويون تدخل مركز الزهرة في العمل الذي يبيعه لقنوات عمومية عربية، فلم يكن مقبولاً بث المشاهد الأصلية لمسلسلات يتابعها ملايين الأطفال العرب.
يستطرد الحياني:" تعتبر المسلسلات الكرتونية بالغة الأهمية أولًا لأنها ارتبطت لدى تلك الأجيال بانتشار جهاز التلفاز وبروز ظاهرة الأنمي، ثم لنوعية المواضيع التي عالجتها والتي لم يكن بالامكان اجتماعيا مناقشتها: الصداقة، الحب، التحدي، المغامرة، زيادة على الربط المكثف بين الصورة واللغة والموسيقى، فهذه المرحلة كانت البداية الأولى لتشكيل ثقافة الصورة".
ورغم الأزمة وتحوّل الأراضي السورية إلى ساحة حرب، إلّا أن مركز الزهرة لا يزال يعمل إلى حد الآن، ناثرًا سحر الأنمي في كل أرجاء الوطن العربي. الأكيد أن مجموعة من مؤديي الأصوات توقفوا عن العمل لضرورات الحياة، والأكيد أن سحر الأنمي المدبلج لم يعد كما كان لوجود إمكانيات التحميل عبر الانترت والاستمتاع بآخر نسخ هذا الفن بالصوت الأصلي، لكن مع كل ذلك، يبقى مركز الزهرة واحدًا من أيقونات الذاكرة الجماعية لجيل كامل من المغاربة، ممّن كانوا يسابقون الريح عند خروجهم من المدارس في المساء، كي لا يفوّتوا تسديدة الكابتن ماجد الساحقة في مرمى الحارس رعد !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق